الثلاثاء، 4 سبتمبر 2012

أطفالنا المتضرر الأكبر من الأزمات


أطفالنا المتضرر الأكبر من الأزمات

Date of Publishing: 
 2 May, 2012
صفاء ديوب – موظفة في الأمانة السورية للتنمية
تطال إفرازات الأزمة الحالية التي تعاني منها سورية كل الفئات، شباب ورجال ونساء إلا أن هناك فئة تعاني بصمت، تنتظر من البالغين أن يحموها ويدافعوا عنها، في ظل صراع يجر الكبار نحو انزلاقات العنف بمختلف أشكاله، إنهم الأطفال المتضرر الأول من النزاعات والفئة الأكثر تعرضاً للقهر والإستغلال، حيث لا تقتصر معاناتهم على ما أصابهم من عنف قلّ أو كثر على أجسادهم قتلاً أو تعذيباً من قبل مجمل الأطراف كتبرير لعنفهم المضاد وما خلفته هذه المرحلة من إنكسارات نفسية نتيجة فقدانهم لذويهم وممتلكاتهم وتدمير عالمهم الخاص، إنما تعدى ذلك ليأخذ أشكالاً مختلفة من الإستغلال، حيث بات من الواضح استخدام صور الأطفال الذين تعرضوا للعنف أو الذين يبكون فقدهم لأحباءهم كوسيلة لتأجيج المشاعر الانسانية ومحاولة من كل طرف لشيطنة الأخر سعياً لكسب تأييد أكبر من قبل الرأي العام. لم يقتصر الإستغلال على الصورة فحسب وإنما تعداه ليترجم على الأرض بوضع الأطفال في أماكن قد يتعرضون فيها للخطر بما قد يرقى في عرف القانون الإنساني، إلى استخدامهم كدروع بشرية في بعض الأحيان.
وإن لم يكن الإعلام قد سلط الضوء على هذه النقطة بما فيه الكفاية إلا أن بعض الناس المتواجدين بشكل خاص في المناطق الساخنة يشاهدون ويرّوون كيف يوزع السلاح على بعض الأطفال ويزجون بطرق مباشرة وغير مباشرة في النزاعات من قبل جميع الأطراف، وما يحدث اليوم من إشراك عدد من الأطفال في هذه النزاعات لا يختلف كثيراً عن ما حدث في بلدان شهدت نفس المرحلة، إذ  صدرت عدة تقارير من قبل منظمات دولية كاليونيسف تتحدث عن أطفال أُجبروا على الدخول بالنزاعات المسلحة في عدة دول تحت تهديد القتل وبعد قتل ذويهم (دراسة الأمم المتحدة بشأن العنف ضد الأطفال) ومن عمل خلال العشر سنوات الماضية مع اللاجئين من العراق يدرك أن ما يحدث لأطفال سورية ليس بعيداً كل البعد عن ما يحدث في المنطقة العربية الآن، وما سمعناه عن تجارة الأعضاء البشرية وتجارة الجنس التي كان الأطفال والنساء أكبر ضحاياها من الممكن أن يصيبنا أيضاً.
فالموضوع لا يقتصر على ما يمكن ملاحظته حتى في حال الانحياز لأي طرف، إنما يتعداه ليصل إلى نقاط أكثر خطورة، فما يتعرض له الأطفال من عنف اليوم يأخذ أشكالاً مبطنة وغير مباشرة أيضاً، وما يشاهدوه عبر الإعلام بكافة وسائله والتلفاز بشكل خاص من قتل وتدمير وتشويه وما يستخدمه البعض من مصطلحات تمييزية وتعبوية كان كفيل بتغيير حتى مفردات وطريقة حياة فئة ليست بالقليلة منهم، فمن الملاحظ توجه بعض الأطفال لشراء الألعاب التي ترمز للقوة والحرب، وتحويل ألعابهم التقليدية مثل كرة القدم والدمى إلى ألعاب قائمة على أساس التحالفات والإنقسامات لمجموعات بهدف إبراز الأقوى جسدياً.
تشهد عدد من مدارسنا في الأونة الأخيرة، نزاعات وصراعات بين جماعات الأقران على أساس الإنتماءات السياسية والمناطقية للأهل، وتردد على مسامع كثُّر نعت بعضهم لبعض بألقاب تحمل رمزية سياسية وطائفية، عدا عن ما تعرض بعضهم له من عنف جسدي ناتج عن شجارات بينهم نتيجة الإختلاف بالأراء. هذه التغيرات جاءت من الوسط المحيط كالإعلام وجماعات الأقران والمدرسة، ونتيجة لعوامل اجتماعية أكثر التصاقاً وهي الأسرة. فما يعانيه الأهل من توترات وضغوط محيطة نتيجة الأوضاع الأمنية والمعيشية يسلك أحياناً طريق مشابه لما يحدث وإن اختلفت طريقة سلوكه، وهو توجيه العنف إلى الفئات الأضعف والتي غالباً ما تكون الأطفال. فتكثر مظاهر العنف الجسدي واللفظي، كما تنتشر حالات الإهمال للأطفال نتيجة الإنشغالات بالأوضاع العامة.
وكثيراً ما يتردد على مسامع الأطفال من قبل ذويهم "الكلام في السياسة للكبار فقط ويجب على الصغار عدم الدخول في هذه المواضيع" فيعيش الطفل حالة من التناقضات والكبت، كل ما يدور في فلكه يحمل إيحاءات سياسية وتمييزية، وكل ما يحدث من عنف مباشر وغير مباشر يتلقى نصيب منه، إلا أنه لا يجد طريقة للتعبير عن أفكاره وآراءه، فتتحول صراعاته الداخلية إلى إنكسارات وتشوهات نفسية تشكل بيئة خصبة لبذور الحقد والتمييز، ستولد عندما تنمو عنف جديد أشد قسوة مما يحدث اليوم.
وإن تم ايقاف النزاع اليوم، إلا أن ما خلفته هذه الأزمة من تشوهات مجتمعية ونفسية لدى كافة الفئات وخاصة الأطفال يحتاج إلى فترات عمل طويلة لاقتلاع هذه الأفكار وزرع أفكار جديدة على أساس الحوار والتعايش، هذه المهمة تحتاج حقيقة إلى تظافر جهود كل الجهات الحكومية وغير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والأسرة كوسط اجتماعي أول، والإعلام كقوة تأثير خاصةً من خلال برامج الأطفال التي بدأ بعضها يأخذ منحى مختلف عن ما كانت عليه في السابق بتركيزها على القتل والصراعات، والتوقف عن اعتبار ما يتعرض له الأطفال أمر مأسوف عليه فقط. فأطفال اليوم هم مجتمع الغد وإهمالنا لما يتعرضوا له يعني إهمالنا لمستقبل سيكونوا هم أصحاب الرأي فيه.
وبما أن الأزمات تحمل فرص قد لا تكون مدركة، فإن العمل على استثمار هذه الأوضاع والبدء بزرع أفكار قائمة على أساس وطني بعيداً عن الإنتماءات ما قبل الوطنية، ونشر الحوار كأساس للتعامل اليومي بدءاً من الأسرة والمدرسة سيكون الطريق الوحيد لردع مجتمع الغد من الإنزلاق نحو العنف مجدداً.